حياة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ( 2 )
صفحة 1 من اصل 1
حياة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ( 2 )
كرس صدام كل طاقاته لبناء البنية الأمنية الداخلية لحزب البعث، وهي الهيئة التي ستصبح الخطة الرئيسية لارتقائه الى السلطة, وبتشجيع من البكر عمل صدام على انشاء بنية تنظيمية يمكنها التعامل مع الاعداء الخارجيين والمنشقين والمتمردين الداخليين, وقد تأثر صدام الى حد بعيد بجوزيف ستالين الذي قرأ حياته واعماله اثناء وجوده في القاهرة, وبعد محنة 1963، كان صدام يسمع كثيرا وهو يردد مقولة ستالين «اذا كان هناك انسان فهناك مشكلة، واذا لم يكن هناك انسان فليس هناك اي مشكلة».
كان صدام واحدا من مجموعة من البعثيين الملتزمين الذين انيطت بهم عام 1964 مسؤولية انشاء الجهاز الامني السري للحزب، والذي اطلق عليه »جهاز حنين« بعد انقلاب 1963، والذي ادى بزج قادة البعث المتبقين ـ بمن فيهم البكر ـ في السجن, اتخذ صدام مغامرة محسوبة بالبقاء في بغداد، وهو قرار يتناقض مع رغبات قيادة الحزب في دمشق التي طلبت منه الفرار من جديد الى سورية, وبالتعاون مع قله من البعثيين الذين لم يسجنهم عارف، شكل صدام قوة أمنية سرية، والهدف الرئيس من انشاء جهاز حنين هو ان يكون قوة مقابلة للعدد الكبير من الضباط في البعث الذين انحازوا الى عارف عام 1963 ضد الجناح المدني في الحزب, وبوجود اشخاص مثل نديم كزارفي مواقع المسؤولة، فان المنظمة ستصبح واحدة من اكثر الاجهزة السرية ترويعا في الشرق الاوسط.
خطة الاغتيال
كانت الحرية التي تمتع بها صدام عام 1964 قصيرة الامد, ولم يمض وقت طويل حتى تورط في المزيد من المؤامرات لقلب الحكومة, وكما جرى سنة 1959 لاغتيال قاسم، انضم اليه «توأمه» عبدالكريم الشيخلي, تم بحث سيناريوهات عدة لاغتيال الرئيس عارف في سبتمبر 1964. كانت هناك خطة لاسقاط طائرته فور اقلاعها من مطار بغداد، واخرى كان يفضلها صدام لاقتحام قصر الرئاسة وقتله بالاسلحة الرشاشة، لكن هذه الخطة تمت تنحيتها جانبا بعد انتقال المسؤول الذي كان سيسهل دخول المجموعة الى القصر الى موقع آخر, واستقر رأي المجموعة على مهاجمة قصر الرئاسة بقنابل محلية الصنع، لكن هذه الخطة احبطت من قبل قوات الامن, ففي منتصف اكتوبر طوق رجال الامن مخبأ صدام في احد احياء بغداد, وبعد تبادل قصير لاطلاق النار اضطر صدام للاستسلام بعد ان نفدت ذخيرته.
يقول سالم شاكر الذي شارك في احدى المؤامرات لاغتيال عارف والذي اصبح فيما بعد واحدا من الجنرالات العراقيين المميزين، والذي التقى صدام للمرة الاولى في منزل في بغداد كان يستخدم للتخطيط لمحاولة الانقلاب: «كان صدام يحاول اقناعي باستخدام وحدات من الجيش لدعم المحاولة الانقلابية، واذا نظرت للامر كله فقد كان سخيفا ومضحكا، لكن علي ان اعترف بأن صدام كان مؤثرا وترك انطباعا قويا لدي, دخل الى الغرفة لمخاطبة الحضور وقال ببساطة اننا نريد الاطاحة بالنظام وعلي ان اعترف ان صدام كان يتمتع بخاصية تميزه عن غيره من معظم البعثيين في جيله، انطباعي الاول هو انني كنت اتعامل مع زعيم طبيعي وبالفطرة رجل لديه تصور واضح عما يريد فعله».
اثارت المعاملة الافضل التي عومل بها صدام عن بقية رفاقه اثناء سجنه بين عامي 1964 و1966 شكوكا في حزب البعث من انه قد ابرم صفقة سرية مع حكومة عارف, وادعى بعض الاعضاء السابقين في البعث ان صدام يقدم معلومات للحكومة عن حزبه, وخلال صيف 1963 اثناء مشاركة صدام في مطاردة وتعذيب الشيوعيين واليساريين، فانه كان يعمل بالتعاون مع السلطات الحكومية وهناك احتمال ايضا بانه تعاون مع الـ «سي, اي, ايه» مستثمرا الاتصالات التي اجراها في القاهرة, وقد ساورت هذه الشكوك البعثيين الآخرين الذين زج بهم عارف في السجن، لكنهم لم يحظوا بالمعاملة التي وجدها صدام, ورغم مشاركته في محاولة قلب نظام عارف كان يبدو انه ما زال يحتفظ بأصدقاء في الحكومة وفي الخارج، والذين عملوا على الا يعامل بصورة سيئة اثناء فترة حبسه, ورغم ان صدام كان يميل الى التنظير امام زملائه متشبها بستالين فانه لم يكن يحظى بودهم, فالكثير من السجناء الآخرين كانوا جيدي التعليم وينتمون الى عائلات ووسط اجتماعي ارقى وكثيرون منهم كانوا ضباطا في الجيش وكانوا يميلون الى معاملته بطريقة تنم عن الاحتقار، لاسيما انه لم يكن يحمل سوى شهادة الثانوية ويتحدث بلهجة فلاحية صرفة، وقد حمل صدام ضغائن ضد الكثير منهم وانتقم منهم بعد ان تولى المسؤولية في حكومة البعث.
السجن والهروب
كان خير الله طلفاح يقبع في السجن هو الآخر في ذلك الوقت، رغم انه لم يكن عضوا في حزب البعث، وتقاسم الزنزانة ذاتها لبعض الوقت مع اياد علاوي طالب الطب والناشط في «البعث» الذي قال عن طلفاح بانه كان رجلا طويل القامة عريض المنكبين وعدوانيا وكان يشعر بالمرارة لحبسه ويصرخ في الحراس قائلا: لماذا اعتقلوني انا لست ضد النظام, كانت ساجدة التي وضعت لتوها عدي تزوره وتزور زوجها صدام الذي كان معتقلا في سجن آخر، وتحضر له رسائل من البكر الذي كان قد افرج عنه، وكانت تخفيها وسط ملابس الرضيع عدي، وهو ما كان يمكن صدام من الاطلاع على شؤون وامور البعث, انتهت الفترة الثانية لسجن صدام يوم 23 يوليو 1966 عندما تمكن مع اثنين من رفاقه من الهرب, والرواية الرسمية لهربه تدعي انه اقام علاقة صداقة مع الحراس لدرجة اقناعهم بالتوقف عند مطعم لتناول الغداء اثناء اعادته من المحكمة الى السجن، حيث كان يحاكم بمحاولة قلب نظام الحكم.
وفي احدى المرات، تمكن مع رفاقه بمن فيهم الشيخلي من الهرب من باب خلفي واستقلوا سيارة سعدون شاكر الضابط السابق التي كانت بانتظارهم, وهناك رواية أخرى مفادها أن صدام والشيخلي تظاهرا بالمرض، واقنعا الحراس بنقلهما الى مستشفى قريب، حيث تمكنا من الهرب بمساعدة سعدون شاكر.
والسهولة التي هرب فيها صدام والشيخلي تثير سؤالا واضحا: هل كانت تلك محاولة فعلية للهرب، ام ان السلطات لها يد في ذلك؟ وأيا كانت الحقيقة، فان هربه يعني بأن صدام اصبح حرا الآن والعمل من جديد على خطة لاطاحة الحكومة والاستيلاء على السلطة.
ان انقلاب 1968، الذي مكن «البعث» من السلطة في العراق، بالمقارنة مع الانقلابات الدموية السابقة، التي رافقت تغيير الحكومات في بغداد، شأنا مدنيا بصورة نسبية, كانت كلمة السر بالنسبة للمشاركة في تلك الاحداث التاريخية هي «رشاد», وفجر يوم 17 يوليو استولت وحدات عسكرية عدة يرافقها نشطاء بعثيون مدنيون على مؤسسات عدة عسكرية وحكومية مهمة, كل الخطوط الهاتفية تم قطعها في الساعة الثالثة فجرا، وصدرت الأوامر بالتحرك الى قصر الرئاسة.
واندفعت دبابات الى باحته، وتوقفت تحت النوافذ حيث كان الرئيس مازال نائما في سريره, وكان في الدبابة الأول ضابط ببزته العسكرية، ومسدسه في يده, أما هذا الضابط فقد كان صدام حسين.
أحد زملاء صدام في ذلك اليوم كان صالح عمر العلي, عام 1968 كان العلي مثل صدام، عضوا في قيادة البعث، وقد شارك في الاجتماعات السرية كافة التي ادت الى المحاولة الانقلابية, ولأنه عمل مع صدام منذ 1964، فانه يصف قدراته بقوله: انه شديد الثقة بنفسه، والحقيقة انه ابدى شجاعة فائقة, قسم المتآمرون الى خلايا اسندت لهم مهمات مختلفة, وكان العلي مع خلية صدام التي كلفت بالاستيلاء على قصر الرئاسة, وقد أصرت قيادة البعث على أن يتولى النشطاء المدنيون هذه المسؤولية حتى لا يتكرر ما حدث في انقلاب 1963، عندما قام العسكر بالدور الرئيسي في قلب حكومة قاسم، وهيمنوا بالتالي على الحكومة واجبروا البعثيين المدنيين على القبول بدور ثانوي.
توجهت مجموعة صدام نحو القصر في سيارات خاصة, ورغم ان الخلية كانت مدنية في غالبيتها، فانها كانت بمرافقة الجنرال حردان التكريتي القائد السابق للسلاح الجوي عام 1963، والذي كان قد ساعد الرئيس عارف في مواجهة البعثيين، وكان مايزال يحظى بالاحترام في المؤسسة العسكرية, في الطريق الى القصر التقت المجموعة بمتعاطفين من الجيش قدموا لهم عربات مدرعة وقدموا بعد ذلك الى المقر العسكري الى جوار القصر، حيث التقوا مع سعدون غيدان الذي كان مسؤولا عن أمن القصر، والذي كان متعاطفا مع الانقلاب، رغم انه لم يكن بعثيا, استولى افراد المجموعة على الدبابات وطوقوا القصر.
قلب عارف
لم يعرف الرئيس عبد الرحمن عارف بالانقلاب، الا عندما سمع بعض الرصاص الذي اطلقته عناصر من الحرس الجمهوري في الهواء للتعبير عن الفرح والانتصار, وعمد الجنرال أحمد حسن البكر العقل المدبر للانقلاب الى الاتصال بالرئيس ليبلغه بقلب حكومته ودعاه الى الاستسلام, وعندما اكتشف ضعف موقفه، وانه ليس امامه من خيار، عرض التنازل بعد ان ضمن البكر سلامته الشخصية، وكلف البكر مروان التكريتي والعلي بالدخول الى القصر ومرافقة عارف الذي خاطبه التكريتي قائلا: «انني مكلف بابلاغك بانك لم تعد رئيسا، حزب البعث يسيطر على البلاد واذا استسلمت سلميا، فانني اضمن سلامتك», قبل عارف الرئيس الضعيف الذي تسلم السلطة بعد مقتل شقيقه عبدالسلام عارف بتحطم هليوكبتر عام 1966 بالتنحي، وكان مطلبه الوحيد ان يضمن الانقلابيون سلامة ابنه الذي كان ضابطا في الجيش, اما دور صدام فكان مراقبة القصر وضمان عدم تدخل الجنود الموالين لعارف.
بعد ذلك رافق التكريتي والعلي عارف الى منزل الاول في بغداد, وبحلول الساعة الثالثة واربعين دقيقة صباحا كان الانقلاب قد تم دون نقطة دم واحدة, وبعد استراحة دامت ساعات عدة وضع عارف على طائرة متجهة الى لندن للانضمام الى زوجته التي كانت تعالج هناك, واعلنت اذاعة بغداد ان حزب البعث قد استولى على السلطة وانهى نظاما ضعيفا وفاسدا يمثله حفنة من الجهلة والاميين واللصوص والجواسيس والصهاينة.
كان صدام وزملاؤه البعثيون يفضلون الاعتماد على انفسهم في تنفيذ الانقلاب، لكن خلال الاسابيع الحاسمة التي سبقت الانقلاب كان من الواضح انهم بحاجة الى دعم العسكر من اجل ضمان النجاح لمواجهة اعداء الشعب, اما جهاز حنين القوة الأمنية السرية التي شكلت لمواجهة «أعداء الشعب» فقد كان بارعا في استخدام التكتيكات لترويع اعداء صدام، لكنه لم يكن يملك القوة ولا الخبرة للاستيلاء على البلاد، ولهذا السبب اتصل قادة البعث مع قادة عسكريين يعتقد بانهم متعاطفون مع قضيتهم، البعض مثل مروان التكريتي كانوا اعضاء في البعث، ولهذا فانهم كانوا مستعدين للالتزام والطاعة, وكان هناك كل من عبدالرزاق النايف نائب رئيس الاستخبارات العسكرية والعقيد ابراهيم داوود قائد الحرس الجمهوري, ورغم ان تعاونهما كان حاسما لنجاح الانقلاب فان ايا منهما لم يكن بعثيا ودعمهما رهن بالفرصة والانتهازية اكثر من الالتزام بأي قضية, كانا يعرفان ان فرصة نجاح الانقلاب دون دعمهما ضئيلة ولهذا فانهما اشترطا مقابل التأييد تعيين النايف رئيسا للوزراء وداوود وزيرا للدفاع اللذين استدعاهما عارف بعد ظهر يوم 16 يوليو للاستفسار عن حقيقة اشاعات بقرب حدوث انقلاب، لكن الاثنين انكرا معرفتهما بذلك, ولاظهار الولاء جثيا على ركبهما وقبلا يد الرئيس.
وعندما سمع البعثيون بما حدث سارع البكر الى عقد اجتماع طارئ لقيادة البعث في منزله, كان من الواضح بان عليهم العمل بسرعة وحاجتهم الى دعم النايف وداوود، ورغم ان البعثيين لم يكونوا متحمسين، فقد وافقوا على مطالب الاثنين, وقال صدام الذي يدعي انه كان حاضرا الاجتماع لرفاقه اعلم ان الضابطين قد فرضا علينا وانهما يريدان طعن الحزب من الخلف ولكن ليس لدينا خيار الآن، علينا التعاون معهما لكن يجب تصفيتهما اثناء او بعد الثورة وانني اتطوع لانجاز هذه المهمة, كانت ثورة يوليو عبارة عن انقلاب عسكري كلاسيكي وعلى مر الاسبوعين التاليين اصبح من الواضح ان سيطرة العسكر ما هي الا مقدمة لتغيير بعيد المنال في النظام, ولم يضع صدام وزملاؤه الكثير من الوقت لتعزيز مواقعهم في الحكومة الجديدة, كانت خدمات النايف وداوود مطلوبة وبعدما تحقق ذلك فان تحالف البكر صدام كان مصمما على الخلاص منهما, بعد الانقلاب عين احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية فيما عين النايف وداوود رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع على التوالي, والبكر الذي احتفظ بمنصب الامين العام لحزب البعث اصبح ايضا رئيسا لمجلس قيادة الثورة »ار سي سي« الذي يتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية عليا, وقد يكون صدام قد شعر بالاحباط لعدم اسناد منصب وزاري له، لكنه كلف بمسؤولية الامن القومي، وهو موقع سيكون حاسما من اجل بقاء الحكومة الجديدة، وقد كان صدام مناسبا لتسلم هذا الموقع بعد ان اقام جهاز حنين، والذي حل بعد تسلم البعثيين السلطة ولتحل محله مؤسسات أمنية رسمية.
خلال أيام من الانقلاب نشب نزاع مرير على السلطة بين البكر والنايف، وكل منهما اخذ يعتقد بأنه في حل من خدمات الآخر, من الناحية الفنية، فان نايف وداوود كان ينبغي ان تكون لهما اليد العليا، كونهما ضابطين يحظيان بالاحترام في المؤسسة العسكرية العراقية, اما البكر فقد اظهر دهاء سياسيا في اقناع نايف وداوود بمساعدة البعثيين لاسقاط عارف, استخدم مروان التكريتي وسعدون غيدان الضابطين والعضوين في البعث لاقناعهما بأن الحكومة الجديدة ستدار من قبل العسكر, اما البعثيون فانهم سيلعبون دورا ثانويا, وعلى هذا الاساس انضما الى الانقلاب، لكن بعد ان أسس البكر ونظم سلطته، كان مصمما على اشراك البعث في الحكومة على حساب نايف وداوود اللذين اساءا تقدير المهارات والقدرات التنظيمية للبعثيين.
وخلال ايام بعد الانقلاب زاد البكر من نفوذ العسكر البعثيين بتعيين اكثر من مئة ضابط بعثي في مواقع في الحرس الجمهوري وغيره من الوحدات المهمة.
اما صدام فكان مشغولا بالمساعدة في تنظيم اجهزة الأمن البعثية والوحدات شبه العسكرية، والتي كان يعتقد بأهميتها لابقاء البعث في السلطة, يوم 29 يوليو غادر داوود الذي اساء قراءة الوضع في بغداد لتفقد القوات العراقية المرابطة في الاردن، والتي ارسلت لتعزيز الحدود الاردنية في اعقاب حرب الأيام الستة مع اسرائيل, وفي غياب داوود عن بغداد، وبمساعدة صدام كان البكر قادرا على توجيه ضربته.
يوم 30 يوليو، وبعد يوم واحد من توجه داوود الى الاردن، دعي نايف لتناول الغداء مع البكر في قصر الرئاسة، ومع انتهاء الغداء دخل صدام الى القاعة شاهرا مسدسه وبصحبته ثلاثة آخرين، وعندما رأى نايف المسدس وضع يديه على عينيه وصاح قائلا: «لدي اربعة اطفال», ووفقا لسيرة حياة صدام قال الاخير: «لا تخف لن يحدث شيء لاطفالك اذا تصرفت بتعقل»، وخاطب صدام نايف قائلا: «انك تعلم بأنك اقحمت نفسك في الثورة، وانك حجر عثرة في طريق الحزب، لقد دفعنا دمنا في سبيل هذه الثورة، قرار الحزب هو ابعادك، عليك مغادرة العراق على الفور»، وقبل نايف تعيينه بوظيفة سفير ورافقه صدام شخصيا الى المطار، ولدى مغادرتهما القصر، كان صدام يخفي مسدسه في جيبه للتأكد من ان نايف لن يعمد للقيام بأي عمل او ايماءه الى أي من الحراس، الذي كان بعضهم من الموالين له، واضطر نايف للعيش في المنفى في المغرب، أما داوود فقد اعتقل في الاردن على يد قائد الفرقة العراقية الجنرال حسن النقيب، واعيد الى بغداد على طائرة عسكرية، ثم ارسل الى المنفى في السعودية، ولما كان ينظر اليه على انه خطر محتمل، فقد تم اغتياله بعد 10 سنوات عام 1978 في لندن بعد ان نجا من محاولة مماثلة سنة 1973.
أتاح الخلاص من نايف وداوود للبعثيين المدنيين، وليس العسكريين لاعلان انفسهم بأنهم القوة المحركة لثورة يوليو «الثورة التصحيحية»، عزز البكر موقعه بتولي موقعين جديدين الى جانب الرئاسة ورئاسة «ار سي سي» عندما اصبح رئيسا للوزراء وقائدا أعلى الجيش، وفي هذه المرحلة وبعد استكمال »المرحلة الثانية« كما يشير اليها المؤرخون البعثيون، ظهر الجناح التكريتي للبعث باعتباره المهيمن على السلطة، والى جانب البكر نفسه، فان الكثير من المناصب المهمة في الحكومة الجديدة كانت من نصيب التكريتيين، حردان التكريتي اصبح وزيرا للدفاع وعبد الكريم الشيخلي (توأم صدام) والذي شارك معه في المحاولة الفاشلة لاغتيال قاسم سنة 1959 اصبح وزيرا للخارجية، وحتى خير الله خال صدام الذي لم يكن بعثيا عين رئيسا لبلدية بغداد، والذي كان في كل مناسبة يعدد للبكر مزايا ابن شقيقته، ويقول «صدام هو ابنك» اعتمد عليه، انت بحاجة الى العائلة لحمايتك وليس جيشا او حزبا، لأن الجيوش والاحزاب تغير اتجاهاتها في هذا البلد.
كان صدام واحدا من مجموعة من البعثيين الملتزمين الذين انيطت بهم عام 1964 مسؤولية انشاء الجهاز الامني السري للحزب، والذي اطلق عليه »جهاز حنين« بعد انقلاب 1963، والذي ادى بزج قادة البعث المتبقين ـ بمن فيهم البكر ـ في السجن, اتخذ صدام مغامرة محسوبة بالبقاء في بغداد، وهو قرار يتناقض مع رغبات قيادة الحزب في دمشق التي طلبت منه الفرار من جديد الى سورية, وبالتعاون مع قله من البعثيين الذين لم يسجنهم عارف، شكل صدام قوة أمنية سرية، والهدف الرئيس من انشاء جهاز حنين هو ان يكون قوة مقابلة للعدد الكبير من الضباط في البعث الذين انحازوا الى عارف عام 1963 ضد الجناح المدني في الحزب, وبوجود اشخاص مثل نديم كزارفي مواقع المسؤولة، فان المنظمة ستصبح واحدة من اكثر الاجهزة السرية ترويعا في الشرق الاوسط.
خطة الاغتيال
كانت الحرية التي تمتع بها صدام عام 1964 قصيرة الامد, ولم يمض وقت طويل حتى تورط في المزيد من المؤامرات لقلب الحكومة, وكما جرى سنة 1959 لاغتيال قاسم، انضم اليه «توأمه» عبدالكريم الشيخلي, تم بحث سيناريوهات عدة لاغتيال الرئيس عارف في سبتمبر 1964. كانت هناك خطة لاسقاط طائرته فور اقلاعها من مطار بغداد، واخرى كان يفضلها صدام لاقتحام قصر الرئاسة وقتله بالاسلحة الرشاشة، لكن هذه الخطة تمت تنحيتها جانبا بعد انتقال المسؤول الذي كان سيسهل دخول المجموعة الى القصر الى موقع آخر, واستقر رأي المجموعة على مهاجمة قصر الرئاسة بقنابل محلية الصنع، لكن هذه الخطة احبطت من قبل قوات الامن, ففي منتصف اكتوبر طوق رجال الامن مخبأ صدام في احد احياء بغداد, وبعد تبادل قصير لاطلاق النار اضطر صدام للاستسلام بعد ان نفدت ذخيرته.
يقول سالم شاكر الذي شارك في احدى المؤامرات لاغتيال عارف والذي اصبح فيما بعد واحدا من الجنرالات العراقيين المميزين، والذي التقى صدام للمرة الاولى في منزل في بغداد كان يستخدم للتخطيط لمحاولة الانقلاب: «كان صدام يحاول اقناعي باستخدام وحدات من الجيش لدعم المحاولة الانقلابية، واذا نظرت للامر كله فقد كان سخيفا ومضحكا، لكن علي ان اعترف بأن صدام كان مؤثرا وترك انطباعا قويا لدي, دخل الى الغرفة لمخاطبة الحضور وقال ببساطة اننا نريد الاطاحة بالنظام وعلي ان اعترف ان صدام كان يتمتع بخاصية تميزه عن غيره من معظم البعثيين في جيله، انطباعي الاول هو انني كنت اتعامل مع زعيم طبيعي وبالفطرة رجل لديه تصور واضح عما يريد فعله».
اثارت المعاملة الافضل التي عومل بها صدام عن بقية رفاقه اثناء سجنه بين عامي 1964 و1966 شكوكا في حزب البعث من انه قد ابرم صفقة سرية مع حكومة عارف, وادعى بعض الاعضاء السابقين في البعث ان صدام يقدم معلومات للحكومة عن حزبه, وخلال صيف 1963 اثناء مشاركة صدام في مطاردة وتعذيب الشيوعيين واليساريين، فانه كان يعمل بالتعاون مع السلطات الحكومية وهناك احتمال ايضا بانه تعاون مع الـ «سي, اي, ايه» مستثمرا الاتصالات التي اجراها في القاهرة, وقد ساورت هذه الشكوك البعثيين الآخرين الذين زج بهم عارف في السجن، لكنهم لم يحظوا بالمعاملة التي وجدها صدام, ورغم مشاركته في محاولة قلب نظام عارف كان يبدو انه ما زال يحتفظ بأصدقاء في الحكومة وفي الخارج، والذين عملوا على الا يعامل بصورة سيئة اثناء فترة حبسه, ورغم ان صدام كان يميل الى التنظير امام زملائه متشبها بستالين فانه لم يكن يحظى بودهم, فالكثير من السجناء الآخرين كانوا جيدي التعليم وينتمون الى عائلات ووسط اجتماعي ارقى وكثيرون منهم كانوا ضباطا في الجيش وكانوا يميلون الى معاملته بطريقة تنم عن الاحتقار، لاسيما انه لم يكن يحمل سوى شهادة الثانوية ويتحدث بلهجة فلاحية صرفة، وقد حمل صدام ضغائن ضد الكثير منهم وانتقم منهم بعد ان تولى المسؤولية في حكومة البعث.
السجن والهروب
كان خير الله طلفاح يقبع في السجن هو الآخر في ذلك الوقت، رغم انه لم يكن عضوا في حزب البعث، وتقاسم الزنزانة ذاتها لبعض الوقت مع اياد علاوي طالب الطب والناشط في «البعث» الذي قال عن طلفاح بانه كان رجلا طويل القامة عريض المنكبين وعدوانيا وكان يشعر بالمرارة لحبسه ويصرخ في الحراس قائلا: لماذا اعتقلوني انا لست ضد النظام, كانت ساجدة التي وضعت لتوها عدي تزوره وتزور زوجها صدام الذي كان معتقلا في سجن آخر، وتحضر له رسائل من البكر الذي كان قد افرج عنه، وكانت تخفيها وسط ملابس الرضيع عدي، وهو ما كان يمكن صدام من الاطلاع على شؤون وامور البعث, انتهت الفترة الثانية لسجن صدام يوم 23 يوليو 1966 عندما تمكن مع اثنين من رفاقه من الهرب, والرواية الرسمية لهربه تدعي انه اقام علاقة صداقة مع الحراس لدرجة اقناعهم بالتوقف عند مطعم لتناول الغداء اثناء اعادته من المحكمة الى السجن، حيث كان يحاكم بمحاولة قلب نظام الحكم.
وفي احدى المرات، تمكن مع رفاقه بمن فيهم الشيخلي من الهرب من باب خلفي واستقلوا سيارة سعدون شاكر الضابط السابق التي كانت بانتظارهم, وهناك رواية أخرى مفادها أن صدام والشيخلي تظاهرا بالمرض، واقنعا الحراس بنقلهما الى مستشفى قريب، حيث تمكنا من الهرب بمساعدة سعدون شاكر.
والسهولة التي هرب فيها صدام والشيخلي تثير سؤالا واضحا: هل كانت تلك محاولة فعلية للهرب، ام ان السلطات لها يد في ذلك؟ وأيا كانت الحقيقة، فان هربه يعني بأن صدام اصبح حرا الآن والعمل من جديد على خطة لاطاحة الحكومة والاستيلاء على السلطة.
ان انقلاب 1968، الذي مكن «البعث» من السلطة في العراق، بالمقارنة مع الانقلابات الدموية السابقة، التي رافقت تغيير الحكومات في بغداد، شأنا مدنيا بصورة نسبية, كانت كلمة السر بالنسبة للمشاركة في تلك الاحداث التاريخية هي «رشاد», وفجر يوم 17 يوليو استولت وحدات عسكرية عدة يرافقها نشطاء بعثيون مدنيون على مؤسسات عدة عسكرية وحكومية مهمة, كل الخطوط الهاتفية تم قطعها في الساعة الثالثة فجرا، وصدرت الأوامر بالتحرك الى قصر الرئاسة.
واندفعت دبابات الى باحته، وتوقفت تحت النوافذ حيث كان الرئيس مازال نائما في سريره, وكان في الدبابة الأول ضابط ببزته العسكرية، ومسدسه في يده, أما هذا الضابط فقد كان صدام حسين.
أحد زملاء صدام في ذلك اليوم كان صالح عمر العلي, عام 1968 كان العلي مثل صدام، عضوا في قيادة البعث، وقد شارك في الاجتماعات السرية كافة التي ادت الى المحاولة الانقلابية, ولأنه عمل مع صدام منذ 1964، فانه يصف قدراته بقوله: انه شديد الثقة بنفسه، والحقيقة انه ابدى شجاعة فائقة, قسم المتآمرون الى خلايا اسندت لهم مهمات مختلفة, وكان العلي مع خلية صدام التي كلفت بالاستيلاء على قصر الرئاسة, وقد أصرت قيادة البعث على أن يتولى النشطاء المدنيون هذه المسؤولية حتى لا يتكرر ما حدث في انقلاب 1963، عندما قام العسكر بالدور الرئيسي في قلب حكومة قاسم، وهيمنوا بالتالي على الحكومة واجبروا البعثيين المدنيين على القبول بدور ثانوي.
توجهت مجموعة صدام نحو القصر في سيارات خاصة, ورغم ان الخلية كانت مدنية في غالبيتها، فانها كانت بمرافقة الجنرال حردان التكريتي القائد السابق للسلاح الجوي عام 1963، والذي كان قد ساعد الرئيس عارف في مواجهة البعثيين، وكان مايزال يحظى بالاحترام في المؤسسة العسكرية, في الطريق الى القصر التقت المجموعة بمتعاطفين من الجيش قدموا لهم عربات مدرعة وقدموا بعد ذلك الى المقر العسكري الى جوار القصر، حيث التقوا مع سعدون غيدان الذي كان مسؤولا عن أمن القصر، والذي كان متعاطفا مع الانقلاب، رغم انه لم يكن بعثيا, استولى افراد المجموعة على الدبابات وطوقوا القصر.
قلب عارف
لم يعرف الرئيس عبد الرحمن عارف بالانقلاب، الا عندما سمع بعض الرصاص الذي اطلقته عناصر من الحرس الجمهوري في الهواء للتعبير عن الفرح والانتصار, وعمد الجنرال أحمد حسن البكر العقل المدبر للانقلاب الى الاتصال بالرئيس ليبلغه بقلب حكومته ودعاه الى الاستسلام, وعندما اكتشف ضعف موقفه، وانه ليس امامه من خيار، عرض التنازل بعد ان ضمن البكر سلامته الشخصية، وكلف البكر مروان التكريتي والعلي بالدخول الى القصر ومرافقة عارف الذي خاطبه التكريتي قائلا: «انني مكلف بابلاغك بانك لم تعد رئيسا، حزب البعث يسيطر على البلاد واذا استسلمت سلميا، فانني اضمن سلامتك», قبل عارف الرئيس الضعيف الذي تسلم السلطة بعد مقتل شقيقه عبدالسلام عارف بتحطم هليوكبتر عام 1966 بالتنحي، وكان مطلبه الوحيد ان يضمن الانقلابيون سلامة ابنه الذي كان ضابطا في الجيش, اما دور صدام فكان مراقبة القصر وضمان عدم تدخل الجنود الموالين لعارف.
بعد ذلك رافق التكريتي والعلي عارف الى منزل الاول في بغداد, وبحلول الساعة الثالثة واربعين دقيقة صباحا كان الانقلاب قد تم دون نقطة دم واحدة, وبعد استراحة دامت ساعات عدة وضع عارف على طائرة متجهة الى لندن للانضمام الى زوجته التي كانت تعالج هناك, واعلنت اذاعة بغداد ان حزب البعث قد استولى على السلطة وانهى نظاما ضعيفا وفاسدا يمثله حفنة من الجهلة والاميين واللصوص والجواسيس والصهاينة.
كان صدام وزملاؤه البعثيون يفضلون الاعتماد على انفسهم في تنفيذ الانقلاب، لكن خلال الاسابيع الحاسمة التي سبقت الانقلاب كان من الواضح انهم بحاجة الى دعم العسكر من اجل ضمان النجاح لمواجهة اعداء الشعب, اما جهاز حنين القوة الأمنية السرية التي شكلت لمواجهة «أعداء الشعب» فقد كان بارعا في استخدام التكتيكات لترويع اعداء صدام، لكنه لم يكن يملك القوة ولا الخبرة للاستيلاء على البلاد، ولهذا السبب اتصل قادة البعث مع قادة عسكريين يعتقد بانهم متعاطفون مع قضيتهم، البعض مثل مروان التكريتي كانوا اعضاء في البعث، ولهذا فانهم كانوا مستعدين للالتزام والطاعة, وكان هناك كل من عبدالرزاق النايف نائب رئيس الاستخبارات العسكرية والعقيد ابراهيم داوود قائد الحرس الجمهوري, ورغم ان تعاونهما كان حاسما لنجاح الانقلاب فان ايا منهما لم يكن بعثيا ودعمهما رهن بالفرصة والانتهازية اكثر من الالتزام بأي قضية, كانا يعرفان ان فرصة نجاح الانقلاب دون دعمهما ضئيلة ولهذا فانهما اشترطا مقابل التأييد تعيين النايف رئيسا للوزراء وداوود وزيرا للدفاع اللذين استدعاهما عارف بعد ظهر يوم 16 يوليو للاستفسار عن حقيقة اشاعات بقرب حدوث انقلاب، لكن الاثنين انكرا معرفتهما بذلك, ولاظهار الولاء جثيا على ركبهما وقبلا يد الرئيس.
وعندما سمع البعثيون بما حدث سارع البكر الى عقد اجتماع طارئ لقيادة البعث في منزله, كان من الواضح بان عليهم العمل بسرعة وحاجتهم الى دعم النايف وداوود، ورغم ان البعثيين لم يكونوا متحمسين، فقد وافقوا على مطالب الاثنين, وقال صدام الذي يدعي انه كان حاضرا الاجتماع لرفاقه اعلم ان الضابطين قد فرضا علينا وانهما يريدان طعن الحزب من الخلف ولكن ليس لدينا خيار الآن، علينا التعاون معهما لكن يجب تصفيتهما اثناء او بعد الثورة وانني اتطوع لانجاز هذه المهمة, كانت ثورة يوليو عبارة عن انقلاب عسكري كلاسيكي وعلى مر الاسبوعين التاليين اصبح من الواضح ان سيطرة العسكر ما هي الا مقدمة لتغيير بعيد المنال في النظام, ولم يضع صدام وزملاؤه الكثير من الوقت لتعزيز مواقعهم في الحكومة الجديدة, كانت خدمات النايف وداوود مطلوبة وبعدما تحقق ذلك فان تحالف البكر صدام كان مصمما على الخلاص منهما, بعد الانقلاب عين احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية فيما عين النايف وداوود رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع على التوالي, والبكر الذي احتفظ بمنصب الامين العام لحزب البعث اصبح ايضا رئيسا لمجلس قيادة الثورة »ار سي سي« الذي يتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية عليا, وقد يكون صدام قد شعر بالاحباط لعدم اسناد منصب وزاري له، لكنه كلف بمسؤولية الامن القومي، وهو موقع سيكون حاسما من اجل بقاء الحكومة الجديدة، وقد كان صدام مناسبا لتسلم هذا الموقع بعد ان اقام جهاز حنين، والذي حل بعد تسلم البعثيين السلطة ولتحل محله مؤسسات أمنية رسمية.
خلال أيام من الانقلاب نشب نزاع مرير على السلطة بين البكر والنايف، وكل منهما اخذ يعتقد بأنه في حل من خدمات الآخر, من الناحية الفنية، فان نايف وداوود كان ينبغي ان تكون لهما اليد العليا، كونهما ضابطين يحظيان بالاحترام في المؤسسة العسكرية العراقية, اما البكر فقد اظهر دهاء سياسيا في اقناع نايف وداوود بمساعدة البعثيين لاسقاط عارف, استخدم مروان التكريتي وسعدون غيدان الضابطين والعضوين في البعث لاقناعهما بأن الحكومة الجديدة ستدار من قبل العسكر, اما البعثيون فانهم سيلعبون دورا ثانويا, وعلى هذا الاساس انضما الى الانقلاب، لكن بعد ان أسس البكر ونظم سلطته، كان مصمما على اشراك البعث في الحكومة على حساب نايف وداوود اللذين اساءا تقدير المهارات والقدرات التنظيمية للبعثيين.
وخلال ايام بعد الانقلاب زاد البكر من نفوذ العسكر البعثيين بتعيين اكثر من مئة ضابط بعثي في مواقع في الحرس الجمهوري وغيره من الوحدات المهمة.
اما صدام فكان مشغولا بالمساعدة في تنظيم اجهزة الأمن البعثية والوحدات شبه العسكرية، والتي كان يعتقد بأهميتها لابقاء البعث في السلطة, يوم 29 يوليو غادر داوود الذي اساء قراءة الوضع في بغداد لتفقد القوات العراقية المرابطة في الاردن، والتي ارسلت لتعزيز الحدود الاردنية في اعقاب حرب الأيام الستة مع اسرائيل, وفي غياب داوود عن بغداد، وبمساعدة صدام كان البكر قادرا على توجيه ضربته.
يوم 30 يوليو، وبعد يوم واحد من توجه داوود الى الاردن، دعي نايف لتناول الغداء مع البكر في قصر الرئاسة، ومع انتهاء الغداء دخل صدام الى القاعة شاهرا مسدسه وبصحبته ثلاثة آخرين، وعندما رأى نايف المسدس وضع يديه على عينيه وصاح قائلا: «لدي اربعة اطفال», ووفقا لسيرة حياة صدام قال الاخير: «لا تخف لن يحدث شيء لاطفالك اذا تصرفت بتعقل»، وخاطب صدام نايف قائلا: «انك تعلم بأنك اقحمت نفسك في الثورة، وانك حجر عثرة في طريق الحزب، لقد دفعنا دمنا في سبيل هذه الثورة، قرار الحزب هو ابعادك، عليك مغادرة العراق على الفور»، وقبل نايف تعيينه بوظيفة سفير ورافقه صدام شخصيا الى المطار، ولدى مغادرتهما القصر، كان صدام يخفي مسدسه في جيبه للتأكد من ان نايف لن يعمد للقيام بأي عمل او ايماءه الى أي من الحراس، الذي كان بعضهم من الموالين له، واضطر نايف للعيش في المنفى في المغرب، أما داوود فقد اعتقل في الاردن على يد قائد الفرقة العراقية الجنرال حسن النقيب، واعيد الى بغداد على طائرة عسكرية، ثم ارسل الى المنفى في السعودية، ولما كان ينظر اليه على انه خطر محتمل، فقد تم اغتياله بعد 10 سنوات عام 1978 في لندن بعد ان نجا من محاولة مماثلة سنة 1973.
أتاح الخلاص من نايف وداوود للبعثيين المدنيين، وليس العسكريين لاعلان انفسهم بأنهم القوة المحركة لثورة يوليو «الثورة التصحيحية»، عزز البكر موقعه بتولي موقعين جديدين الى جانب الرئاسة ورئاسة «ار سي سي» عندما اصبح رئيسا للوزراء وقائدا أعلى الجيش، وفي هذه المرحلة وبعد استكمال »المرحلة الثانية« كما يشير اليها المؤرخون البعثيون، ظهر الجناح التكريتي للبعث باعتباره المهيمن على السلطة، والى جانب البكر نفسه، فان الكثير من المناصب المهمة في الحكومة الجديدة كانت من نصيب التكريتيين، حردان التكريتي اصبح وزيرا للدفاع وعبد الكريم الشيخلي (توأم صدام) والذي شارك معه في المحاولة الفاشلة لاغتيال قاسم سنة 1959 اصبح وزيرا للخارجية، وحتى خير الله خال صدام الذي لم يكن بعثيا عين رئيسا لبلدية بغداد، والذي كان في كل مناسبة يعدد للبكر مزايا ابن شقيقته، ويقول «صدام هو ابنك» اعتمد عليه، انت بحاجة الى العائلة لحمايتك وليس جيشا او حزبا، لأن الجيوش والاحزاب تغير اتجاهاتها في هذا البلد.
ola- عدد الرسائل : 6
تاريخ التسجيل : 03/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى