كل ما يفعله اولمرت هو كلام بكلام وليس مصحوبا بالأفعال

كل ما يفعله اولمرت بصدد العملية السياسية هو كلام بكلام وليس مصحوبا بالافعال
علي غرار كل قادة اسرائيل الذين فضلوا مصالحهم وتجنبوا الحسم الوطني: التخلص من الاحتلال
توقع عودة المسيح المخلص ومثله الأمل باعادة بناء الهيكل المقدس، هو من اللبنات الاساسية لليهودية: الصلوات من دون هيكل يحتويها تعبر عن نبوءة الخلاص القادم. هذه عقيدة تهزم نفسها بنفسها لان كونها حجرا أساسيا من أركان اليهودية وتقليدا ينتقل من جيل الي جيل، يشير الي انها لن تتحقق بالمرة.
شيء ما من ذلك يحدث مع حلم السلام مع الفلسطينيين؛ وهو يتحول الي نوع من التكرارية واللازمة التي تستوجب الطقوس اعادتها في كل مرة رغم ان أحدا لا ينوي تحقيقها بجدية. اسرائيل احتاجت الي ثلاثة ايام حتي تحتل الضفة الغربية في حزيران (يونيو) 1967 (في حرب عادلة) وها هي تتلوي منذ 40 عاما في الشبكة التي أدخلت نفسها فيها نتيجة للمستوطنات التي أقامتها. هي تكتفي بتقديم اقتراحات وصياغة الحلول وبث الافكار إلا انها لا تتخذ خطوات حقيقية من الناحية الفعلية حتي توصل الصراع مع الفلسطينيين الي نهايته الناجحة. مع مرور السنين يتحول الحل الي مسألة أكثر تعقيدا كما تشير نتائج قرار الانسحاب من قطاع غزة، إلا أن الاستنتاج المطلوب ليس ظاهرا: الوصول الي تسوية دائمة مع الفلسطينيين تقوم علي تنازل اسرائيلي عن المناطق.
رئيس الوزراء جسد من خلال خطابه أمام الكنيست أمس، ومرة اخري الطابع الخطابي للنداء الاسرائيلي للسلام مع الفلسطينيين. ايهود اولمرت تحدث عن إصراره علي اعطاء الفرصة لعملية حقيقية وعن أن كل خيار آخر يعني الصراع الديمغرافي الدموي والطافح بالدموع الذي لا يوصل اسرائيل الي أهدافها ، ولكنه أوضح من الناحية الاخري بأن المؤتمر المزمع في انابولس هو لقاء دولي يهدف فقط الي اعطاء دعم للحوار مع الفلسطينيين، ولكنه لن يتضمن مفاوضات حقيقية. من الناحية الاخري أعلن عن ثقته بمصداقية محمود عباس وسلام فياض وعن الاحتمالية القائمة للتوصل الي تفاهم معهما. وفي ذات الوقت قال بأنه قد حذر حتي الآن من التوصل معهما الي أي اتفاق. اولمرت قام من جهة بلفت الأنظار الي الفرص الضائعة في الماضي للتوصل الي السلام واعلن عن تفضيل مخاطر السلام علي آلام الحرب.
ومن الناحية الاخري قام بتجميد البشائر التي تنطوي عليها هذه الفرضيات من خلال تقديره بأن الطريق نحو الاتفاق ما زال بعيدا ومليئا بالعقبات والمصاعب.
من الممكن حل التناقضات في حديث اولمرت من خلال الافتراض بأنها مجرد تكتيكات كلامية نابعة من ضرورات سياسية، ولكن هذه طريقة تجريدية جدا لسبر غور سلوكه: قائد الدولة سيبقي دائما خاضعا لقيود واعتبارات متناقضة إبان حسمه للقرارات المصيرية كتلك التي تحدث عنها أمس في الكنيست.
الواقع المتردي الذي تمر به اسرائيل في مواجهة الفلسطينيين في تشرين الاول (اكتوبر) 2007 يدلل علي أن اغلبية قادتها قد فضلوا حتي الآن أخذ المصالح السياسية بعين الاعتبار واستبعدوا الحواسم الوطنية المطلوبة والخلاص من عبء الاحتلال.
اولمرت أبرز من سابقيه في كشف الاصطفافات الداخلية في دخيلته: منذ أن انتخب لرئاسة الوزراء ألقي عدة خطابات مدوية عبر فيها عن الرؤية التي تدعو الي تصويب آثار حرب حزيران (يونيو). هذا ما حدث في خطابه الانتخابي الذي حصل علي مكانة ملحق للاتفاق الائتلافي ( نحن مستعدون للتنازل عن اجزاء من ارض اسرائيل الحبيبة )، وهذا ما قاله كذلك علي قبر بن غوريون في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي سيكون بامكان الفلسطينيين أن يقيموا دولة مستقلة... تتمتع بالسيادة الكاملة مع حدود محددة... تكون مغايرة للمناطق الموجودة اليوم ضمن السيطرة الاسرائيلية ، وهذا ما قاله ايضا في قمة شرم الشيخ في حزيران (يونيو) من هذا العام لقد نشأت فرصة لدفع العملية السياسية في المنطقة بصورة جدية وأنا لا أنوي السماح لها بالضياع ، وأخيرا ما قاله أمام مجلس كديما في الشهر الماضي هناك الان شريك وفق كل المؤشرات... الجمود هو انسحاب للوراء .
رغم الرسالة الواضحة التي تظهر من هــذه التصــريحات الا ان اولمرت خشي من اتخاذ خطوات عملية حتي يحققها.
وعندما نتذكر انه يرفض صياغة وثيقة مباديء في مؤتمر انابولس ويتجنب الشروع في المفاوضات الرسمية حول قضايا لب الصراع، وليس مستعدا لاقتراح جدول زمني ملزم للمفاوضات ـ يبدو خطابه في الكنيست مثل صلوات وابتهالات فقط.

عوزي بنزيمان
كاتب رئيسي في الصحيفة
(هآرتس) 10/10/2007